عودة إلى الهدر

نعود إلى الهدر. لن نتركه إلى أن يغادرنا. غالبا لن نتركه قريبا. هذا إحدى أهم مشكلات مصر. أسعدنى انتباه أحد أساتذة كلية الاقتصاد ومناقشة الأمر بناء على خواطرى فى كلية السياسة. دورنا أن نضع خطا تحت المشكلة. ننبه ونحذر ونقترح. نفكر سويا. نشغل أدمغتنا. لا ندين فقط. هذه وظيفة تلك الخواطر منذ بدأتها فى نوفمبر ٢٠١١. سوف تظل كذلك.

الهدر عمود فى بنية المجتمع المصرى. أذكر حملة للتوفير فى التسعينيات تبناها التليفزيون المصرى. اقترح على المصريين أن يقسموا الرغيف أربعة أرباع. نجحت لبعض الوقت. لم يعتد المصريون تقسيم الرغيف. تربوا على أن يقطعوه ويبقوه كاملا لقيمات بلا استفادة. كان المصرى، ولايزال، يتفاخر بأنه يتناول عددا كبيرا من الأرغفة. كانت تلك مبارزات بين الريفيين. لم يواصل التليفزيون حملة تنمية الوعى. تحولت حملته، لأنها لم تكمل أهدافها، إلى نوع من الهدر. لن تكون هذه الخواطر هدرا مماثلا. سوف أحاول ذلك.

لا يمكن أن تنتظر من المصريين مساعدة الحكومة فى حل أزمة الكهرباء بالترشيد. لم يعتادوا. لكى يتعودوا لابد أن يأخذ الأمر وقتا. لابد أن تكون الدولة قدوة. كلما رأوا عمود نور مضاءً بالنهار بسبب مشكلة دائرته الكهربائية لن يندفعوا للترشيد. كلما كان ثمن الكهرباء عاديا مقدورا عليه لن يفكروا فى الترشيد. لابد من التمييز بين الحاجة الأساسية والحاجة الإضافية. الأساسية لا ترشد. الإضافية لها سعر. لم يتعلم المصرى أن للطاقة سعرا. لم يعرف من قبل أن الكهرباء نوع من الطاقة.

ضربت مثالين من قبل. عن الهدر. مصنع حديد أحمد عز. يدفع ٣٥٠ مليون جنيه ضرائب فى السنة. خزانة الدولة تحقق ربحا قدره ٤٢٪ من أرباحه لأنها شريكة فيه بالمال العام. الهدر كان هو محاربة مشروع ناجح. اتهامه بما لم يثبت عليه. التحقيقات القضائية لاتزال معلقة. صاحب المصنع مازال يحاسب فى استثماراته عن مواقفه السياسية. تقريبا رجل الأعمال الوحيد السجين. انظر فى المقابل إلى مصنع حلوان للحديد والصلب. حالة هدر متكاملة. الدولة تدفع ديونه وأجور عامليه على مدار الساعة.

مثال آخر. ليس أخيرا. نهدر المياه بنظام رى عتيق. نروى بالغمر مقارنة بأمم هجرت هذا الأسلوب منذ عقود. المصرى بعاداته المستقرة يرفض التغيير. الدولة لم تتقدم له باقتراح مفيد لكى يغير عاداته. يوفر الماء الذى يستهلكه بكميات مهولة فيما لا ضرورة له. الإنفاق على نظام رى جديد يمكن أن يعوض مصر بكميات مياه كبيرة جدا سوف تحتاجها. تكلمت فى هذا كثيرا. عشق الهدر مرتكز داخل العقول المصرية. مواجهة الهدر تحتاج إلى إرادة!

newton_almasry@yahoo.com